إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
175384 مشاهدة print word pdf
line-top
ذكر بعض الحكم من تشريع بعض المناسك

لما بات بذي الْحُلَيْفَةِ وأصبح وقد لبس إحرامه، وكان قد تَطَيَّبَ قبل أن يُحْرِم. طَيَّبَ شعره، وطَيَّبَ لحيته، وطَيَّبَ يديه، ولم يُطَيِّبْ لباسه؛ لم يُطَيِّبْ ثيابه، فلما صلى الصبح أَهَلَّ وهو في مكانه، بقوله: لبيك حَجًّا. أو لبيك عمرة وحَجًّا، وقال: لبيك اللهم لبيك.
سمعه بعض الصحابة، فقالوا: إنه أحرم وهو في مُصَلَّاه، ثم جاء إلى ناقته التي حج عليها، وتسمى القصواء، فلما استوى على راحلته لَبَّى مرة ثانية، فسمعه آخرون فقالوا: إنه لَبَّى وهو على راحلته، وظنوا أنه لم يلبِّ قبل ذلك، ثم إنه سار قليلا إلى أن استوت به ناقته على البيداء ذلك المكان الواسع- وإذا الناس كلهم قد ركبوا رواحلهم، وإذا هم عن يمينه مَدَّ البصر، وعن يساره كذلك، وأمامه وخلفه، وكلهم جاءوا ليقتدوا به.
فلما استوت به على البيداء لَبَّى، ولما لَبَّى سمعه الذين حوله، فَلَبَّوْا، وسمعهم الذين وراءهم فلبوا، وسمعه الآخرون إلى أن ضَجَّ الحجاج كلهم بهذه التلبية، وسمعت أصواتهم من بعيد، وكان قد أخبر بأن رَبَّهُ أمره برفع الصوت، وقال: إن جبريل أتاني وقال: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال يعني بالتلبية.
واستمروا على هذه التلبية التي كان يُكَرِّرُهَا، وكان يلازم تلبيته، فيقول: لبيك اللهم لبيك! لبيك لا شريك لك لبيك! إن الحمد والنعمة لك والملك لك! لا شريك لك! هذه كانت تلبيته -صلى الله عليه وسلم- ولكن يسمع أصحابه أيضا يُلَبُّون، ويُقِرُّهُمْ على تلبيتهم، فمنهم مَنْ يقول: لبيك حقا حَقًّا.. تَعَبُّدًا ورِقًّا.. ومنهم مَنْ يقول: لبيك لا شريك لك.. لبيك اللهم لبيك.. لبيك وسعديك.. والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، نحن عبادك الوافدون إليك، الراغبون فيما لديك. يلبون بهذه التلبية، فكان ذلك مما يدل على جوازها، وبعضهم يقول: لبيك والرغباء إليك والعمل، أو يقول: نحن عبادك الوافدون إليك، الراغبون فيما لديك، أو يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة ونحو ذلك، ولا يُنْكِرُ ذلك عليهم.
فنقول: عليك ما دمت مُحْرِمًا أن تُكَرِّرَ التلبية، فَتُلَبِّي إذا سمعت أحدا يُلَبِّي، وتُلَبِّي في الطريق إذا ارتفعت على مكان رفيع، وتُلَبِّي إذا انْخَفَضَتْ بك راحلتك، أو هبطت في وادي، وكذلك التلبية إذا ركب، أو إذا نزل، أو إذا أقبل الليل، أو أقبل النهار، أو صلى مكتوبة، أو سمع مُلَبِّيًا، أو تلاقت الرفاق، أو فعل محظورا. أي كلما تَجَدَّدَت به حالة فإنه يُلَبِّي أَيَّةَ تلبية يحفظها، أو تتيسر له. ثم نعرف أن هذه التلبية من الأذكار المهمة حتى أن بعض العلماء ذهب إلى...

line-bottom